نام کتاب : زاد المسير في علم التفسير نویسنده : ابن الجوزي جلد : 2 صفحه : 453
[سورة يوسف (12) : آية 61]
قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61)
قوله تعالى: قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ أي: نطلبه منه، والمراودة: الاجتهاد في الطلب. وفي قوله تعالى: وَإِنَّا لَفاعِلُونَ ثلاثة أقوال: أحدها: أن المعنى: وإنّا لجاءوك به، وضامنون لك المجيء به، هذا مذهب الكلبي. والثاني: أنه توكيد، قاله الزجاج، فعلى هذا يكون الفعل الذي ضمِنوه عائداً إِلى المراودة، فيصحّ معنى التّوكيد. والثالث: وإنّا لمديمون المطالبة به لأبينا، ومتابعون المشورة عليه بتوجيهه، وهذا غير المراودة، ذكره ابن الأنباري.
فإن قيل: كيف جاز ليوسف أن يطلب أخاه، وهو يعلم ما في ذلك من إِدخال الحزن على أبيه؟
فعنه خمسة أجوبة: أحدها: أنه يجوز أن يكون ذلك بأمر عن الله تعالى زيادة لبلاء يعقوب ليعظم ثوابه، وهذا الأظهر. والثاني: أنه طلبه لا ليحبسه، فلما عرفه قال: لا أفارقك يا يوسف، قال: لا يمكنني حبسك إِلا أن أنسبك إِلى أمر فظيع، قال: أفعل ما بدا لك، قاله كعب. والثالث: أن يكون قصد تنبيه يعقوب بذلك على حال يوسف. والرابع: ليتضاعف سرور يعقوب برجوع ولديه. والخامس: ليعجِّل سرور أخيه باجتماعه به قبل إِخوته. وكل هذه الأجوبة مدخوله، إِلا الأول، فانه الصحيح. ويدل عليه ما روينا عن وهب بن منبه، قال: لما جمع الله بين يوسف ويعقوب، قال له يعقوب: بيني وبينك هذه المسافة القريبة، ولم تكتب إِليَّ تعرِّفني؟! فقال: إِن جبريل أمرني أن لا أعرِّفك، فقال له: سل جبريل، فسأله، فقال: إِن الله أمرني بذلك، فقال: سل ربك، فسأله، فقال: قل ليعقوب: خفتَ عليه الذئب، ولم تؤمنّي؟
[سورة يوسف (12) : آية 62]
وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)
قوله تعالى: وَقالَ لِفِتْيانِهِ قرأ أبن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: «لفتيته» .
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «لفتيانه» . قال أبو علي: الفتية جمع فتى في العدد القليل، والفتيان في الكثير. والمعنى: قال لغلمانه: اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ وهي التي اشترَوا بها الطعام فِي رِحالِهِمْ، والرحل: كل شيء يُعَدُّ للرحيل. لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها أي: ليعرفوها إِذَا انْقَلَبُوا أي: رجعوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: لكي يرجعوا. وفي مقصوده بذلك خمسة أقوال: أحدها: أنه تخوف أن لا يكون عند أبيه من الورِق ما يرجعون به مرة أخرى، فجعل دراهمهم في رحالهم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنه أراد أنهم إِذا عرفوها، لم يستحلُّوا إِمساكها حتى يردُّوها، قاله الضحاك.
والثالث: أنه استقبح أخذ الثمن من والده وإِخوته مع حاجتهم إِليه، فردَّه عليهم من حيث لا يعلمون سبب رده تكرماً وتفضلاً، ذكره ابن جرير الطبري، وأبو سليمان الدمشقي. والرابع: ليعلموا أنّ طلبه لعَوْدهم لم يكن طمعاً في أموالهم، ذكره الماوردي. والخامس: أنه أراهم كرمه وبِرَّه ليكون أدعى إِلى عَوْدهم.